في تقرير لموقع ميدل إيست آي، يروي الصحفيان دانيال هيلتون ومحمد أمين تفاصيل مروعة عن مجزرة ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق مدنيين من قبيلة "الجمّاعة" غرب أم درمان، حين حاولوا الفرار من منطقة الصالحا باتجاه مركز المدينة.
أمل إسماعيل انتظرت يومين تطلب من أحد قادة الدعم السريع إخبارها عن مصير شقيقيها، نسيبها وابن عمها، بعد أن اختُطفوا من شاحنة تقل نحو 200 فرد من قبيلتها. القائد اعترف بأن بعضهم قُتل، ثم أمرها بالصبر. قال لها: "أخطأتِ بمحاولة مغادرة الصالحا"، وطلب منها أن تتحدث إن كان لديها مشكلة بالعيش هناك.
غادرت أمل، وأخرجت هاتفاً كانت قد خبأته وذهبت إلى نقطة بها تغطية للاتصال. بدأت الرسائل تنهال: مقاطع مصورة نُشرت على وسائل التواصل تُظهر رجالاً مقيَّدين، نصف عراة، ومقاتلين يفتخرون بما فعلوا. أحد المقاطع يُظهر إطلاق نار مباشر على محتجزين، وآخر يُظهر أكواماً من الجثث، تعرفت أمل من بينها على شقيقها محمد، الملقى تحت إطار سيارة، ونسيبها الخير إبراهيم، الذي ظهر وهو يُجلد.
أكدت الشهادات لاحقاً أن 31 شخصاً على الأقل قُتلوا. تقول رحاب إسماعيل، زوجة الخير: "الخير كان شجاعاً، حتى في الفيديو ينظر في أعين جلاده... لن نسامح الدعم السريع أبداً".
القصة بدأت في أواخر أبريل، عندما قررت العائلات مغادرة الصالحا، الخاضعة لسيطرة الدعم السريع منذ عامين، بعد تدهور الأوضاع المعيشية: لا كهرباء، طعام نادر، والماء لا يصلح للشرب.
تحركت القافلة نحو أم درمان، لكنها وُوجهت بمقاتلي الدعم السريع الذين أوقفوا الشاحنة بإطلاق النار على إطاراتها، وأجبروا الجميع على النزول. تم تفريقهم إلى مجموعات صغيرة ونُقلوا إلى محال على الطريق، حيث تعرضوا للتعذيب. يقول يوسف حسين: "جلدونا وضربونا بأي شيء متاح". ويتهمهم بالتحامل على قبيلتهم، معتبرينها مسؤولة عن مقتل رفاقهم.
أحد الركاب، علي وداع، ادعى أنه من قبيلة أخرى، فقُتل برصاصتين في قلبه، حسب حسين. النساء، من بينهن أمل ورحاب، فُصلن عن الرجال، وتعرضن للنهب والاعتداء، وتم إجبار البعض على تحويل الأموال من تطبيقات الهاتف.
بعد خمس ساعات من التهديدات، أُطلق سراح النساء. لكن خلال عودتهن، حاول ثلاثة مقاتلين اختطافهن إلى منزل، وعندما قاومت رحاب، هُددت بالسكين، وتعرضت أمل للضرب حتى كادت تفقد وعيها.
بعض الرجال أُفرج عنهم بعد أيام، مقابل فدية. أحمد أمين عبد الحق، طالب وحلاق، أُطلق سراحه بعد خمسة أيام من التعذيب مقابل مليون جنيه سوداني (نحو 500 دولار). قال: "في النهاية كل شيء كان من أجل المال".
جثة محمد، شقيق أمل، ظهرت أمام مقر المخابرات العسكرية التابعة للدعم السريع في الصالحا، وهو محل خياطة تم تحويله إلى مكتب مهجور. في داخله رسم جداري للثائر محمد عثمان إسحاق، الذي قُتل في احتجاجات 30 يونيو 2019.
منطقة الصالحا الواقعة على بُعد كيلومترات قليلة من أم درمان، تختلف كلياً عن أحيائها الراقية. تحولت من مركز للحراك السلمي إلى مسرح للدمار والقتل خلال الحرب الحالية.
الحرب بين الجيش والدعم السريع اندلعت بعد خلاف حول دمج قوات الدعم في الجيش، وأودت بحياة عشرات الآلاف، وهجّرت 13 مليون شخص. وتُتهم قوات الدعم بارتكاب فظائع، بينها إبادة جماعية في دارفور، بدعم من الإمارات وفق منظمات حقوقية.
في 19 مايو، أعلن الجيش سيطرته الكاملة على ولاية الخرطوم بعد استعادة الصالحا. لكن الجثث ما تزال تُكتشف. يقول العميد الريح دفع الله: "نجد قتلى حتى تحت أرضيات المنازل".
المقابر الجماعية تتوزع في المنطقة، وبعضها داخل مراكز كانت تُستخدم كأماكن احتجاز. في إحدى الجامعات، خزّانات ضخمة تحتوي جثثاً متحللة، بعضها بثقوب في الجوانب وقطع في الأقدام.
يقول الجيش إنهم ضحايا الدعم السريع، بينما تنكر الأخيرة علاقتها بالأمر. لكن المشاهد المروعة تتحدث عن نفسها.
المقابر تُفتح، الركام يُنقب، والعائلات تبحث عن ذويها وسط الألم والضياع. تقول أمل: "حتى اليوم لا نعرف من قُتل ومن نجا... والدنا يزور المشارح كل يوم". وتضيف رحاب: "المرور بجانب القبور المفتوحة أصبح جزءاً من حياتنا... بعضهم يفكر في فتحها للبحث عن إجابات".
https://www.middleeasteye.net/news/sudan-crossing-safety-civilians-killed-rsf